فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {فَمَا ءامَنَ لموسى إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ} الضمير يرجع إلى موسى: أي من قوم موسى، وهم طائفة من ذراري بني إسرائيل.
وقيل: المراد: طائفة من ذراري فرعون، فيكون الضمير عائدًا على فرعون.
قيل: ومنهم مؤمن آل فرعون وامرأته، وماشطة ابنته، وامرأة خازنه.
وقيل: هم قوم آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل، روي هذا عن الفراء: {على خَوْفٍ مّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِم} الضمير لفرعون، وجمع لأنه لما كان جبارًا جمعوا ضميره تعظيمًا له.
وقيل: إن قوم فرعون سموا بفرعون مثل ثمود، فرجع الضمير إليهم بهذا الاعتبار.
وقيل: إنه عائد على مضاف محذوف، والتقدير: على خوف من آل فرعون، وروي هذا عن الفراء.
ومنع ذلك الخليل، وسيبويه، فلا يجوز عندهما: قامت هند وأنت تريد غلامها.
وروي عن الأخفش أن الضمير يعود على الذرية، وقوّاه النحاس: {أَن يَفْتِنَهُمْ} أي: يصرفهم عن دينهم بالعذاب الذي كان ينزله بهم، وهو بدل اشتمال.
ويجوز أن يكون في موضع نصب بالمصدر: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض} أي: عات متكبر، متغلب على أرض مصر: {وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين} المجاوزين للحد في الكفر، وما يفعله من القتل والصلب، وتنويع العقوبات.
قوله: {وَقَالَ موسى يا قَوْمٍ إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ} قيل: إن هذا من باب التكرير للشرط، فشرط في التوكل على الله الإيمان به والإسلام: أي الاستسلام لقضائه وقدره.
وقيل: إن هذا ليس من تعليق الحكم بشرطين بل المعلق بالإيمان هو وجوب التوكل، والمشروط بالإسلام وجوده، والمعنى: أن يسلموا أنفسهم لله: أي يجعلوها له سالمة خالصة لا حظّ للشيطان فيها؛ لأن التوكل لا يكون مع التخليط.
قال في الكشاف: ونظيره في الكلام: إن ضربك زيد فاضربه، إن كانت لك به قوّة: {فَقَالُواْ} أي: قوم موسى مجيبين له: {عَلَى الله تَوَكَّلْنَا} ثم دعوا الله مخلصين، فقالوا: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} أي: موضع فتنة: {لّلْقَوْمِ الظالمين} والمعنى: لا تسلطهم علينا، فيعذبونا حتى يفتنونا عن ديننا، ولا تجعلنا فتنة لهم، يفتنون بنا غيرنا، فيقولون لهم: لو كان هؤلاء على حق لما سلطنا عليهم وعذبناهم، وعلى المعنى الأوّل: تكون الفتنة بمعنى المفتون.
ولما قدّموا التضرّع إلى الله سبحانه في أن يصون دينهم عن الفساد، أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم، فقالوا: {وَنَجّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القوم الكافرين} وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم.
قوله: {وَأَوْحَيْنَا إلى موسى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} أن هي المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول أن تبوّآ: أي: اتخذوا لقومكما بمصر بيوتًا؛ يقال: بوّأت زيدًا مكانًا، وبوّأت لزيد مكانًا، والمبوأ: المنزل الملزوم، ومنه بوّأه الله منزلًا: أي ألزمه إياه، وأسكنه فيه، ومنه الحديث: «من كذب عليّ متعمدًا فليتبوّأ مقعده من النار» ومنه قول الراجز:
نحن بنو عدنان ليس شك ** تبوّأ المجد بنا والملك

قيل: ومصر في هذه الآية هي الإسكندرية، وقيل: هي مصر المعروفة، لا الإسكندرية: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي: متوجهة إلى جهة القبلة، قيل: والمراد بالبيوت هنا: المساجد، وإليه ذهب جماعة من السلف.
وقيل المراد بالبيوت: التي يسكنون فيها، أمروا بأن يجعلوها منا قبلة، والمراد بالقبلة على القول الأوّل: هي جهة بيت المقدس، وهو: قبلة اليهود إلى اليوم.
وقيل: جهة الكعبة، وأنها كانت قبلة موسى ومن معه؛ وقيل: المراد أنهم يجعلون بيتهم مستقبلة للقبلة، ليصلوا فيها سرًّا لئلا يصيبهم من الكفار معرّة بسبب الصلاة، ومما يؤيد هذا قوله: {وَأَقِيمُواْ الصلاة} أي: التي أمركم الله بإقامتها، فإنه يفيد أن القبلة هي قبلة الصلاة، إما في المساجد أو في البيوت، لا جعل البيوت متقابلة، وإنما جعل الخطاب في أوّل الكلام مع موسى وهارون، ثم جعله لهما ولقومهما في قوله: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصلاة} ثم أفرد موسى بالخطاب بعد ذلك، فقال: {وَبَشّرِ المؤمنين} لأن اختيار المكان مفوّض إلى الأنبياء، ثم جعل عامًا في استقبال القبلة وإقامة الصلاة، لأن ذلك واجب على الجميع لا يختص بالأنبياء، ثم جعل خاصًا بموسى؛ لأنه الأصل في الرسالة، وهارون تابع له، فكان ذلك تعظيمًا للبشارة وللمبشر بها.
وقيل: إن الخطاب في: {وبشّر المؤمنين} لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، على طريقة الالتفات والاعتراض، والأوّل: أولى. وقد أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: {لِتَلْفِتَنَا} قال: لتلوينا.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، قال: لتصدّنا عن آلهتنا، وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن مجاهد، في قوله: {وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء في الأرض} قال: العظمة والملك والسلطان.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {فَمَا ءامَنَ لموسى إِلاَّ ذُرّيَّةٌ} قال: الذرية: القليل.
وأخرج هؤلاء، عنه، في قوله: {ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ} قال: من بني إسرائيل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، قال: كانت الذرية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون منهم: امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وخازن فرعون، وامرأة خازنه.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، ونعيم بن حماد في الفتن، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين} قال: لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، قال في تفسير الآية: لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على الحق ما عذبوا ولا سلطنا عليهم فيفتنون بنا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن أبي قلابة، في الآية قال: سأل ربه ألا يظهر علينا عدوّنا، فيحسبون أنهم أولى بالعدل فيفتنون بذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي مجلز، نحوه.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {وَأَوْحَيْنَا إلى موسى وَأَخِيهِ} الآية.
قال ذلك حين منعهم فرعون الصلاة، فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم، وأن يوجهوها نحو القبلة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في قوله: {أَن تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ} قال: مصر: الإسكندرية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في الآية قال: كانوا لا يصلون إلا في البيع حتى خافوا من آل فرعون، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس، في الآية قال: أمروا أن يتخذوا في بيوتهم مساجد.
وأخرج أبو الشيخ، عن أبي سنان، قال: القبلة: الكعبة، وذكر أن آدم فمن بعده كانوا يصلون قبل الكعبة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} قال: يقابل بعضها بعضًا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا}
أخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تَبَوَّءا لقومكما بمصر بيوتًا} قال: ذلك حين منعهم فرعون الصلاة، وأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم، وأن يوجهوها نحو القبلة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أن تبوّءا لقومكما بمصر بيوتًا} قال: مصر الاسكندرية.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {واجعلوا بيوتكم قبلة} قال: كانوا لا يصلون إلا في البِيَع، حتى خافوا من آل فرعون فأمروا أن يصلوا في بيوتهم.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واجعلوا بيوتكم قبلة} قال: أُمِروا أن يتخذوا في بيوتهم مساجد.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يفرقون من فرعون وقومه أن يصلوا فقال: {واجعلوا بيوتكم قبلة}. قال: قبل الكعبة، وذكر أن آدم عليه السلام فمن بعده كانوا يصلون قبل الكعبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واجعلوا بيوتكم قبلة} قال: يقابل بعضها بعضًا.
وأخرج ابن عساكر عن أبي رافع رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: إن الله أمر موسى وهرون أن يتبوءا لقومهما بيوتًا، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء إلا هرون وذريته، ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}
قوله تعالى: {أَن تَبَوَّءَا}: يجوز في {أَنْ} أن تكون المفسِّرة؛ لأنه قد تقدَّمها ما هو بمعنى القول وهو الإِيحاء، ويجوز أن تكونَ المصدريةَ فتكونَ في موضع نصب بأوحينا مفعولًا به أي: أَوْحَيْنا إليهما التبوُّءَ.
والجمهورُ على الهمزة في {تبوَّا}. وقرأ حفص {تَبَوَّيا} بياءٍ خالصة، وهي بدلٌ عن الهمزة، وهو تخفيفٌ غيرُ قياسي، إذ قياسُ تخفيفِ مثلِ هذه الهمزة أن تكونَ بين الهمزة والألف، وقد أنكر هذه الروايةَ عن حفص جماعةٌ من القراء، وقد خَصَّها بعضُهم بحالةِ الوقف، وهو الذي لم يَحْكِ أبو عمرو الداني والشاطبي غيرَه. وبعضُهم يُطْلق إبدالَها عنه ياءً وصلًا ووقفًا، وعلى الجملةِ فهي قراءةٌ ضعيفة في العربية وفي الرواية، وتركتُ نصوصَ أهل القراءة خوفَ السآمة، واستغناءً بما وضَعْتُه في شرح القصيد.
والتبوُّءُ: النزولُ والرجوعُ، وقد تقدَّم تحقيق المادة في قوله: {تُبَوِّئ المؤمنين} [آل عمران: 121].
قوله: {لِقَوْمِكُمَا} يجوزُ أن تكونَ اللامُ زائدةً في المفعول الأول، و{بيوتًا} مفعولٌ ثان بمعنى بَوِّآ قومكما بيوتًا، أي: أنْزِلوهم، وفَعَّل وتفعَّل بمعنىً مثل عَلَّقَها وتَعَلَّقها قاله أبو البقاء. وفيه ضعفٌ من حيث إنه زِيدت اللام، والعاملُ غير فرع، ولم يتقدَّم المعمول. الثاني: أنها غير زائدة، وفيها حينئذ وجهان، أحدهما: أنها حالٌ من البيوت. والثاني: أنها وما بعدها مفعول {تَبَوَّا}.
قوله: {بِمِصْرَ} جَوَّز فيه أبو البقاء أوجهًا، أحدها: أنه متعلِّق بـ {تَبَوَّا}، وهو الظاهرُ. الثاني: أنه حالٌ من ضمير {تبوَّاء}، واستضعفه، ولم يبيِّن وجهَ ضعفهِ لوضوحه. الثالث: أنه حالٌ من البيوت. الرابع: أنه حالٌ من {لِقومكما}، وقد ثنى الضميرَ في {تبوَّا} وجمع في قوله: {واجعلوا} و{أقيموا}، وأفرد في قوله: {وبشِّر}؛ لأن الأولَ أمرٌ لهما، والثاني لهما ولقومهما، والثالث لموسى فقط؛ لأن أخاه تَبَعٌ له، ولمَّا كان فِعْلُ البِشارة شريفًا خَصَّ به موسى لأنه هو الأصل. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)}
مَهِّدْ إليهم لعبادتنا مَحَالَّ وهي نفوسهم، ولمعارفنا منازلَ وهي قلوبهم، ولمحبتنا مواضعَ وهي أرواحهم، ولمشاهدتنا معاهِدَ وهي أسرارهم؛ فنفوس العابدين بيوت الخدمة، وقلوب العارفين أوطان الحشمة، وأرواح المهيمين مشاهد المحبة، وأسار الموحدين منازل الهيبة. اهـ.

.تفسير الآيات (88- 89):

قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم ببشارة من دل على إيمانهم إسلامهم بفعل ما يدل على هوان أمر العدو، وكان هلاك المشانئ من أعظم البشائر، وكان ضلال فرعون وقومه بالزينة والمال إضلالًا لغيرهم، سأل موسى عليه السلام إزاله ذلك كله للراحة من شره، فقال تعالى حاكيًا عنه: {وقال موسى} أي بعد طول دعائه لفرعون وإظهار المعجزات لديه وطول تكبره على أمر الله وتجبره على المستضعفين من عباده، ولما كان من أعظم أهل الاصطفاء، أسقط الأداة تسننًا بهم، وأشار بصفة الإحسان إلى أن هلاك أعدائهم أعظم إحسان إليهم فقال: {ربنا} أي أيها المحسن إلينا: {إنك} أكد لما للجهال من إنكار أن يكون عطاء الملك الأعظم سببًا للإهانة: {آتيت فرعون وملأه} أي أشراف قومه على ما هم فيه من الكفر والكبر: {زينة} أي عظيمة يتزينون بها من الحلية واللباس وغيرهما: {وأموالًا} أي كثيرة من الذهب والفضة وغيرهما: {في الحياة الدنيا} روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه كان لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت؛ ثم بين غايتها لهم فقال مفتتحًا بالنداء باسم الرب ليعيذه وأتباعه من مثل حالهم: {ربنا} أي أيها الموجد لنا المحسن إلينا والمدبر لأمورنا: {ليضلوا} في أنفسهم ويضلوا غيرهم: {عن سبيلك} أي الطريق الواسعة التي نهجتها للوصول إلى رحمتك.